أمامي هذا الليل مدّ جناحَه
وفي وجهيَ الخابي ظلالُ الدياجر
أنوءُ بأعباء الهموم وليتها
طوتني يدُ الأيام ِ بين الحفائر
أليس يرينا الدهر بسماتُ رحمةٍ
ويخفي وراء الضحك جوف المقابر ِ
وكلّ زهور الأرض ِ ليستْ تهمني
إذا كانَ غدر الصحب شبهَ كواسر
وإن جمال الصبح قبح مناؤئ ٍ
وإن نسيم الفجر ِ لفحَ هواجر ِ
وإن صدى الأطيار ِ لوعة نادبٍ
وإن نثيثَ الصبح لسعَ مجامر ٍ
وإن خدودَ الوردِ قد صارَ شائكاً
ولثم صديق اليوم ِ كوي سجائر ِ
وأبسمُ والأتراح ألقتْ رواسياً
لكي لا يميد القلبُ نحو الأزاهر ِ
يقبلّني في الوجه خلّي برقةٍ
وينهشني في الظهر نهش الكواسر ِ
أنا الليل فاقصدني على غير وحشةٍ
وأنت أمينٌ من حدوث المحاذر ِ
إليكَ فرشتُ القلبَ فاغرس أناملاً
تعيثُ بها ما شئتَ خدشُ الأظافر ِ
أنا الليل فاقصدني على غير موعدٍ
تراني كما الأحلامُ ملئ الخواطر ِ
لتعلمَ أن القلبَ ينبض بالندى
وإن ترتجي بيعي بصفقةِ خاسر ِ
صحبتُ بني الأيام ِ حتّى بلوتهم
فيا بعدَ قصدي بين خلّ وآخر ِ
فلم ألقَ إلاّ الحزنَ والغدرَ والأسى
إذا عاث في الأعماق ِ خبثُ السرائر ِ
فآثرتُ أن أنأى بعيداً ولم أعُدْ
أجاملُ بعضَ الناس ِ في صوتِ ساحر ِ
ستوحشني الضحكاتُ في العيدِ إن أتى
وتؤنسني في العيدِ لفحُ العوابر ِ
وإنّي إلى الأحزان ِ قد صرتُ توأماً
فما كان مثلي بين بادٍ وحاضر ِ
ولمّا رأيتُ البعضَ للحقّ جانبوا
ويلقون فوق الجمر ِ قطرَ سواعر ِ
عقدتُ مع القرطاس عهدَ صداقةٍ
وسرَحتُ همّي في رقيق المحابر ِ
فإن ظنّ هذا البعض أن قريحتي
ستفقد حسنَ الشدو ِ عندَ الأعاصر ِ
سأثبتُ للحسّاد أن يراعتي
تصوغ بديع النظم ِ من كلّ نادر ِ
وأظهرُ للقرّاء عقدَ فرائدٍ
تحطّم في الإنشادِ كلّ الدوائر ِ
فإن غيابَ الشمس ِ في الأفق ِ حكمة ٌ
لتشرقَ ُ في الآفاق ِ ملئ النواظر ِ
فإن شبيه القرد في النظم مضحكٌ
وإن جاء بالألفاظ ليس بشاعر ِ
وأنّى لهذا المسخ ِ أن يبلغ العلى
وإن لجّ في الآدابِ ليس بقادر ٍ
فإن كنتَ تبغي القيئ تنظر شكله
وإن كنتَ تبغي المكر ترنو لماكر ِ
******
أنا الليل فاقصدني على حين غرّةٍ
ترى إنني في الود جمّ َ المشاعر ِ
حباني مليك العرش أرهفَ خافق ٍ
بحيثُ أرى الأوباش طُهر الضمائر ِ
ولمْ أدر ِ أن البعضَ يكتمُ حقدَه
ليطعنني في الظهر طعنة َ غادر ِ
فشكراً إله الكون إذ شئتَ يقظتي
من غفلةِ المخدوع ِ عند المظاهر